الأحد، 1 يناير 2012

الفلسطينيون في العراق

تكشف لنا الوثائق والاوراق التاريخية بأن العراق كان محجا وقبلة للمثقفين الفلسطينيين قبل أي بلد عربي آخر نظرا للسياسة القومية التي اتبعها العراق منذ تأسيس كيانه عام 1921 وحتى اليوم .. ويتبلور دور الفلسطينيين بالذات قبل المرحلة التاريخية التي سبقت احداث 1941 سواء على عهد الملك غازي 1933-1939 ، او المرحلة التالية التي شهدت مداخلات الحرب العالمية الثانية وصراعات القوى السياسية الداخلية في العراق 1939-1941.. وعدت بغداد عاصمة قومية للزعماء والمثقفين والسياسيين الذين وصفوا بالمجاهدين والمناضلين المضطهدين العرب ولا سيما الفلسطينيين منهم ، وكانت قضية فلسطين هي الشغل الشاغل على الساحة السياسية والثقافية العربية في المشرق العربي .
أكرم زعيتر : الموجه القومي الفلسطيني
من يقرأ مذكرات السياسي الفلسطيني المعروف أكرم زعيتر ، ويتأمل في المعلومات التي سجلها ، سيجد كم كان ثقل العراق ازاء المسألة الفلسطينية وكم كان حجم ارتباط الفلسطينيين من ساسة ومثقفين ومناضلين بالعراق . وكانت لأكرم زعيتر أكثر من مهمة في العراق ، وقد غدا في ما بعد عالما ومؤرخا وكان خطيبا مفوها وكاتبا معروفا له العديد من المؤلفات وقد زاول التعليم والصحافة في فلسطين واشترك في عصبة العمل القومي ، ومثل حزب الاستقلال في حفل تأبين الملك فيصل الاول سنة 1933 في بغداد ، وعمل في معاهد العراق موجها قوميا .
عمل اثناء وجوده بالعراق في الجمعيات القومية ، ولكنه رجع الى فلسطين اثر نداءات تلقاها من رفاقه هناك من اجل ارجاع نشاط حزب الاستقلال .. ثم عاد الى بغداد عام 1935م ، وعمل زعيتر في دعم القضية الفلسطينية في العراق الذي كانوا يسمونه " محط آمال العرب " ، ولكنه عاد الى فلسطين ايام ثورة المجاهدين عام 1936م ، ولعب دورا مشهودا في " يوم العراق بفلسطين " في 12 آذار / مارس 1936م . وكان يصرح بأن فلسطين تعقد اعظم الامال على العراق في استقلالها . وقد وقف ضد انقلاب بكر صدقي . عاد الى العراق عام 1938م تلبية لدعوة " لجنة الدفاع عن فلسطين" المركزية في بغداد ، وحضر احدى جلسات المجلس النيابي العراقي التي تحولت الى أشبه بمؤتمر سياسي خطابي عاصف تأييدا للثورة الفلسطينية .. وكتب زعيتر يقول : " ان روح الثورة الفلسطينية تنعكس على كل عراقي " . واتضح له ذلك من زيارات قام بها الى عدد من المدن العراقية ، وكانت من ابرز زياراته للموصل والبصرة وبعقوبة وخانقين وديالى . وفي معرض رده بؤتمر صحفي عقده بالموصل التي احتفى به اهلها ، قال : " قضية فلسطين تشغل كل عراقي ، اننا نتلمس هذا في المدرسة وفي المسجد وفي الكنيسة والشارع والمقهى والاندية والصحف ، انها حديث الشعب ، وموضع عنايته ، وهذه لجان الدفاع عن فلسطين تؤلف في كل بلد عراقي ، والحكومة العراقية تولي القضية الفلسطينية جانبا عظيما من اهتمامها " .
كانت تلك هي الحلقة الاولى من نشاطه في العراق وقد غادره . أما الحلقة الثانية ، فكانت عام 1939، عندما كتب اليه كل من د. سامي شوكت مدير المعارف العام و د. فاضل الجمالي مدير التربية والتدريب العام يطلبان عودته ، فلبى الدعوة وطار الى العراق وحل ضيفا وبدأ بنشاطه حال وصوله فالقى محاضرة في نادي المثنى ببغداد حلل فيها الكتاب الابيض .. الى جانب قضايا سياسية اخرى . وسيغدو له دوره ايام الحرب العالمية الثانية .
اثر الحرب الثانية على النخبة العربية في العراق :
يعلمنا أكرم زعيتر في يومياته بأن وضع العرب في العراق قد تأثر اثر اندلاع الحرب العالمية الثانية ، ومع تطور الاحداث وعمليات الحرب ، أخذ المجاهدون والمناضلون الفلسطينيون يتوافدون تباعا الى العراق ، افرادا وجماعات ، فوصل بغداد في 23 – 24 ايلول/ سبتمبر 1939 السادة : الشيخ حسن أبو السعود واسحق درويش وجمال الحسيني وموسى العلمي .. وسرى خبر سري تدبير الحاج أمين الحسيني لأمر قومه الى العراق ، وتم ذلك التدبير على درجة من الكتمان مع علي جودت الايوبي وزير الخارجية العراقي انذاك الذي اعطى اوامره سرا لسلطات الحدود ، وبأوامر من الوصي عبد الاله ونوري السعيد لتسهيل أمر دخول المفتي برغم أنف الانكليز ، اذ ينقل زعيتر قول الايوبي : " نحن احرار في استقبال اخواننا المجاهدين ، ولا نسمح بأن يعترض علينا أحد " .
وصلت بغداد جماعات اخرى من المناضلين الفلسطينيين ، ومنهم : ممدوح السخن، ثم المجاهد عبد القادر الحسيني ، والاستاذ راسم الخالدي ود. داود الحسيني والمجاهد سليم الحسيني ، ثم وصل واصف كمال ، ثم الشيخ حسن سلامه . وقد أوجد العراق لجميعهم وظائف محترمة .. ويعلق زعيتر قائلا : " كما أخذ قواد الثورة يتسللون الى العراق ، هكذا لا يجد شبابنا العامل في الثورة وقادتها ملاذا لهم الا العراق " . وكان وزير الخارجية الايوبي قد ارسل مبلغ الف دينار عراقي الى المفتي بوساطة اكرم زعيتر من أجل تأمين وصوله الى العراق . وانتقد زعيتر تصرف المفتي الذي تسلم المبلغ المذكور فارسل قصاصة صغيرة جدا بمساحة اصبع ، كتب عليها ( تسلمت ألف دينار أمين ) ليطلع عليها علي جودت ، ولما أطلع عليها ضحك الايوبي واندهش الاثنان من اسلوب المفتي ! وثمة تفصيلات لا يمكنني معالجتها هنا في هذا الكتاب عن الدور الذي قام به المفتي الحاج أمين الحسيني في العراق بعد أن وصله معززا مكرما من قبل السلطات العراقية . ويكتب علي جودت في مذكراته : " ولعلاقتي الشخصية بالمفتي والذوات المحترمين ، الذين رافقوه كانت الحكومة العراقية وعلى رأسها نوري السعيد تقدم اليه بواسطتي مبالغ متواضعة لسد النفقات الضرورية لهم ، ومع هذا فان الرجل على الرغم من المامه بظروف العراق الخاصة ، وعلى الرغم من الخدمات التي أسدتها الحكومة العراقية اليه ، فانه سعى حثيثا لجمع الكثيرين من البسطاء حوله ، ثم ما لبث أن أتصل ببعض الضباط الوطنيين المتحمسين فجذبهم الى جانبه ، وزجهم في أتون السياسة ، وهم لا يقدرون نتائجها .. وقد تمكن المفتي ومن معه من السير في سياسة متطرفة ، اوقعت العراق فيما لم تكن له قدرة على الخروج منه بسلام " .
الفلسطينيون والشأن العراقي :
لقد شارك العدد الغفير من الفلسطينيين في الشأن العراقي بعد ان سمحت السلطات العراقية نفسها لهم بعد انفجار الحرب العالمية الثانية بالترحاب بهم على أحسن ما يكون فضلا عن سماحها لهم بالعمل السياسي وبأوامر من الامير عبد الاله ونوري السعيد ، اذ ساعدا على استقبالهم وتخصيص أموال لهم وممارستهم لادوار سياسية وثقافية متنوعة .
لقد اتسع حجم النخبة الفلسطينية في العراق ، وحتى عام 1941 نتوقف عند الاسماء التالية :-
الحاج أمين الحسيني ومحمد عزة دروزة وواصف كمال ورشاد الشوا وعزالدين الشوا وموسى العلمي وأكرم زعيتر وراسم الخالدي وفريد يعيش وعبد القادر ومنيف وجمال وداود وسليم الحسيني وصبحي الخضرا وابراهيم الشنطي واحمد حلمي عبد الباقي وعوني عبد الهادي وبرهان الدين العبوشي ومحمود خورشيد العدناني وخيري حماد وفريد السعد ومعين الماضي وعبد الرحيم محمود وحسني وخليل وصبيحة المقدادي ومحمد محمود نجم وممدوح السخن وأمين التميمي وسليم عبد الرحمن وابراهيم درويش وسعد طاهر العنبتاوي والشيخ حسن سلامه وصبحي أبو غربية وفؤاد نصار ومحمد اسحق درويش وابراهيم طوقان ويحيى اللبابيدي وابو محمود الصفوري وعارف الجاعوني والشيخ حسن أبو السعود وحيدر الحسيني ومحمد سليم أبو اللبن ومصطفى الطاهر ودياب الفاهوم ومحمد علي الغصين وفائق نجيب الحسيني واحمد زهير العفيفي وحنا خلف وعوني خليل الدجاني وحسين طاهر الدجاني وحسن فخري الخالدي والشيخ فرحان السعدي واميل الغوري ومنير الريس وعادل التميمي وموسى عبد الله الحسيني وفهد الريماوي وثابت الدباغ واسحق امين الحسيني وغيرهم .
أما الجيل النسوي – العراقي المثقف، فقد تربى على أيدي سيدات عربيات فضليات كانت لهن ثقافتهن العربية الأصيلة ومن هؤلاء الفلسطينيات : سلمى الخضراء الجيوسي والاديبة دعد الكيالي والآنسة ارنستين الغوري وغيرهن.
استمرار دور المثقفين الفلسطينيين في العراق
لقد استوطن العراق عدد من الفلسطينيين الذين أثروا في حياته الفكرية والسياسية، مثل :-
علي كمال وهو طبيب وعالم نفس فلسطيني الأصل عاش وعمل في العراق استاذاً ورئيساً لقسم الصحة النفسية في جامعة بغداد وطبيباً ذائع الشهرة في عيادته في شارع الرشيد ببغداد، يندر أن لم يسمع به أحد في العراق
جبرا ابراهيم جبرا ذلك المثقف الفلسطيني الذي عشق العراق وتجنس به وقدم خدماته الثقافية الناضجة فيه على مدى يقرب من نصف قرن ، وتزوج بعراقية على غرار الشاعر نزار قباني ، وزوجة جبرا هي السيدة لميعة برقي العسكري وجبرا ولد في بيت لحم عام 1920 بفلسطين وترعرع في القدس ودرس في الكلية العربية بها ، ثم تلقى علومه العليا بجامعة كيمبردج بانكلترا ، وأصبح مدرسا للادب الانكلبزي في الكلية الرشيدية بالقدس ، ثم استقدمه الى العراق عام 1948 الاستاذ عبد العزيز الدوري اثناء توليه عمادة كلية الآداب والعلوم ببغداد لكي يدرس اللغة الانكليزية وعمل جبرا مديرا للمطبوعات في شركة نفط العراق ، ثم رئيسا لمكتب الاعلام والنشر والترجمة في شركة النفط الوطنية العراقية حتى سنة 1977، ثم نصب خبيرا في اللجنة المركزية للترجمة بوزارة الثقافة والاعلام حتى تقاعد عام 1984، ولكنه ظل متواصلا مع دار المأمون للترجمة والنشر كواحد من خبرائها حتى وفاته عام 1994. ولما كانت زوجته قد توفيت من قبله ، وكان لا يفارقها ، وآثر أن يدفن الى جانبها في العراق . ويعد مأثور جبرا الثقافي والفني والنقدي في العراق اكبر حجما واثقل وزنا من كل مناصبه التي تقلدها .. فلقد كان وثيق العلاقة مع أبرز الفنانين والادباء والشعراء العراقيين ، كما وأثرى الرجل المكتبة العراقية بعدد كبير من الكتب والتآليف .. فضلا عن آثاره الادبية وخصوصا رواياته وقصصه وبقية صنوف ادبياته.
حنا بطاطو (مواليد القدس 1926 - توفي في وينستد - كونيكتيكوت 24 يونيو 2000) مؤرخ فلسطيني مختص في تاريخ المشرق العربي الحديث. ربما يكون الأكثر أهمية بين أعماله الأكاديمية بحثه التاريخي الاجتماعي عن العراق الذي يعتبر أهم مرجع عن تاريخ وتطور العراق الحديث.
هاجر بطاطو إلى الولايات المتحدة عام 1948، عام النكبة في فلسطين. من عام 1951 إلى 1953 درس حنا بطاطو في مدرسة إدموند ويلش Edmund A. Walsh School للشؤون الخارجية بجامعة جورجتاون. نال درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة هارفرد في عام 1960 بأطروحة عنوانها : " الشيخ والفلاح في العراق، 1917 - 1958 " The Shaykh and the Peasant in Iraq, 1917-1958. ثم من عام 1962 إلى عام 1982 اشتغل بالتدريس في الجامعة الأمريكية في بيروت، ثم من 1982 حتى تقاعده في عام 1994 في جامعة جورجتاون في الولايات المتحدة.
بدأ بطاطو دراسة تاريخ العراق في بدايات الخمسينات متأثرا باهتماماته المبكرة بالحركات الثورية التي سادت في ذلك البلد وبشكل خاص ركز على الحزب الشيوعي العراقي. من أواخر الخمسينات سافر بطاطو إلى العراق عدة مرات واستطاع الوصول لعدة سجناء سياسيين شيوعيين إضافة لملفات الشرطة والأمن العراقية السرية قبل حدوث ثورة 1958. كان لبطاطو علاقات متعددة ضمن السياسيين والحركات السياسية العراقية ويزعم البعض أنه كان يملك علاقات مع الرئيس العراقي عبد الكريم قاسم مما سهل له الوصول للكثير من الأرشيفات السرية لأجهزة الأمن العراقية والاطلاع على تاريخ العراق في فترات متعددة منه حتى السبعينات. مكنته هذه السجلات من وضع دراسته عن التغيرات السياسية في العراق بعنوان " الطبقات الاجتماعية القديمة والحركات الثورية الحديثة في العراق " (الذي نشر عام 1978). ومع ان هذا العمل يركز بشكل كبير على الحزب الشيوعي العراقي فإنها تعطي معلومات قيمة حول بقية الحركات الثورية العراقية في الريف والطبقات الحاكمة قبل عام 1958.
يعتبر هذا العمل مرجعا أساسيا في تاريخ العراق الحديث إضافة لانه مؤسس على منهجية بطاطو التي تعتمد التحليل الاجتماعي السياسي وتبرز دور العوامل الاجتماعية للتطورات التي يغطيها أثناء تأريخه، وحتى التركيبة الاجتماعية للحركات محط البحث.
، كما واستقدمت الحكومة العراقية البعض من الأساتذة الفلسطينيين اللامعين من خريجي الجامعة الأمريكية ببيروت لتدريس الأدب والتاريخ والتربية للتدريس في الثانويات العراقية الشهيرة مثل:- درويش المقدادي وفهد الريماوي وزهدي جار الله وغيرهم من الذين تربى على أيديهم جيل قومي عراقي رائع.
الفلسطينيون اللاجئون إلي العراق بعد حرب العام 1948
تفيد الإحصاءات بأن عدد اللاجئين الفلسطينيين الذين وصلوا إلى العراق سنة 1948 تراوح ما بين ثلاثة آلاف نسمة وخمسة آلاف نسمة، وقدرت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، التابعة للأمم المتحدة، عدد اللاجئين الفلسطينيين في العراق سنة 2003 بـ34 ألفاً إلى 42 ألفاً.
ينحدر اللاجئون الفلسطينيون في العراق، في معظمهم، من قرى حيفا، وعلى وجه التحديد من ثلاث قرى هي: إجزم، وجبع، وعين غزال. والباقون يتحدّرون من قرى المزار والطيرة وصرفند وعتليت وأم الزينات ودالية الروحا وكفرلام وخربة المنارة والطنطورة وأم الفحم وعرعرة وعين حوض، كما تنحدر بعض العائلات من يافا وقراها، وحيفا والقدس ونابلس وعكا وغزة والرملة وجنين.
تولّت وزارة الدفاع العراقية رعاية اللاجئين الفلسطينيين بعد وصولهم إلى العراق؛ حيث تمّ توزيع سكنهم في المقرات الحكومية التي لا تستخدم عادة في العطلة الصيفية، مثل دار المعلمين والمباني الجامعية، ومع انتهاء العطلة الصيفية كانوا يوزعون على معسكرات تتبع للحكومة في مناطق مختلفة من العراق بين بغداد والبصرة والموصل، وتمتع اللاجئون الفلسطينيون بمخصصات من الطعام والغذاء بشكل يومي كباقي قطع الجيش العراقي؛ إذ كانوا يعتبرون جزءاً من قطع الجيش في هذه الناحية. وبقي الحال هكذا حتى سنة 1950 حيث انتقلت إدارة شؤونهم إلى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل ضمن مديرية خاصة سُمّيت مديرية شؤون اللاجئين الفلسطينيين في العراق، حيث أعيد توزيع سكنهم وفق نظام السكن الجماعي في الملاجئ.
وتوزع اللاجئون الفلسطينيون في البداية على ستة مجمعات في بغداد، وواحد في البصرة، وآخر في الموصل، وكان التجمع الأساسي لهم في البداية في معسكر الشعيبة في البصرة، ليتم نقلهم فيما بعد إلى بغداد.
مع تأسيس وكالة الأونروا في 8/12/1949، رفضت الحكومة العراقية رفضاً كاملاً أن يكون العراق هو المنطقة السادسة من مناطق عملياتها، وتعهد العراق للأونروا بوضع إمكانياته كافة للإشراف الكامل على شؤون اللاجئين الفلسطينيين في العراق، وتقديم المساعدات لهم كافة مقابل عدم دفع العراق لأية تبرعات نقدية للأونروا، مع احتفاظ الفلسطينيين بجنسيتهم، ومن دون أن تجرى أي عملية توطين. مما جعل الأونروا تسقط جميع اللاجئين الفلسطينيين في العراق من حسابها. وبالفعل قدمت الحكومة العراقية الخدمات كافة التي تقدمها الأونروا للاجئين الفلسطينيين في مناطق اللجوء الأخرى، من رعاية صحية شاملة، كما أتاحت الحكومة العراقية فرص التعليم حيث شملتهم مجانية التعليم بمختلف مراحله الابتدائية والثانوية والجامعية، وقد أدت التسهيلات المقدمة من الحكومة العراقية إلى رفع نسبة التعليم وانخفاض نسبة الأمية بين اللاجئين.
بعد خروج فلسطينيي العراق من ولاية وكالة الأونروا خصصت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل العراقية مبلغ 160 ألف دينار كميزانية لمديرية شؤون اللاجئين الفلسطينيين، وكانت مخصصات الأفراد: 100 فلس للكبير، و50 فلساً للصغير يومياً، إلا أن هذه المخصصات بدلاً من أن تزيد مع الزمن كانت تنقص بسبب ثبات الميزانية وازدياد عدد الفلسطينيين، فلم تزدد الميزانية المخصصة للمديرية بين أعوام 1955 و1973 سوى 50 ألف دينار فقط، في الوقت الذي زاد فيه أعداد الفلسطينيين في هذه الفترة أربعة أضعاف تقريباً من (3,500 إلى 14,000)، ومع ذلك لم يكن جميع الفلسطينيين في العراق مشمولين برعاية مديرية شؤون اللاجئين فقد كانت لهذه المديرية شروطها في تسجيل الفلسطينيين مثل: أن يكون من بلد محتل سنة 1948، وأن يكون دخل العراق وأقام فيه قبل سنة 1958، ولغرض لمّ الشمل، أجازت الوزارة ضم الزوجة إلى زوجها المسجل قبل سنة 1961، ولا يجوز العكس أي ضم الزوج إلى زوجته.
أما من الناحية القانونية، فقد بقي وضع اللاجئين الفلسطينيين في العراق ضبابياً قابلاً للتأويل على أكثر من وجه حتى صدور القرار 202، ففي سنة 1961 صدر قرار مرقم بـ26 ينظم عملية منح الفلسطينيين في العراق وثائق سفر خاصة ويحدد مدة صلاحيتها، وفي سنة 1964 صدر قرار بمعاملة الفلسطيني معاملة العراقي في الوظائف الحكومية من حيث الرواتب والعلاوات، لكن الفلسطيني استثني بموجب هذا القرار من حصوله على امتياز الخدمة التقاعدية بحجة أن ذلك قد يدفعه للتمسك بالبقاء في العراق والتفريط بحق العودة، ومنح الفلسطيني المنتهية خدمته راتب شهر واحد عن كل سنة من خدمته، وفي سنة 1965 صدر قرار بشطب كلمة (اللاجئين) من وثائق السفر

وفي سنة 1980 صدر قرار مجلس قيادة الثورة رقم 215، والذي يحق بموجبه تملك الفلسطيني المقيم إقامة دائمة داراً للسكن بعد التدقيق وأخذ موافقة وزارة الداخلية والموافقات الأمنية اللازمة، على أن تسجل الدار التي اشتراها الفلسطيني المقيم باسم وزارة المالية. وفي سنة 1983 صدر قرار يوجب على الفلسطيني استصدار موافقة المؤسسة العامة للعمل والتدريب المهني عند عمله أو انتقاله لعمل آخر حتى ضمن القطاع الخاص، وهددت التعليمات كل من يخالفها بحمله على مغادرة البلاد ومنع دخوله مستقبلاً. وفي سنة 1987 صدر قرار من مجلس قيادة الثورة رقم 936 والذي يحق بموجبه للفلسطيني المقيم إقامة دائمة تملك قطعة أرض سكنية أو دار سكنية أو قطعة أرض زراعية.
لكن في سنة 1989 صدر قرار يوقف العمل بالقرار 215 والقرار 936 لمدة خمس سنوات، وفي نهاية المدة صدر في 7/3/1994 عن مجلس قيادة الثورة قرار رقم 23 ينص على: «يوقف العمل بالقوانين والقرارات التي تجيز تملك غير العراقي العقار أو استثمار أمواله في الشركات داخل العراق، وكل ما من شأنه التملك أو الاستثمار في أي وجه كان».
وبهذا عُومل الفلسطيني الذي يقيم في العراق منذ أكثر من أربعة عقود معاملة الأجنبي الذي جاء العراق منذ أيام، وبهذا القرار أصبح الفلسطينيون في العراق عرضة لأي إجراء تعسفي، وأصبح وضعهم القانوني عرضة لتأويلات أصغر موظف حكومي، وأصبح لا يحق للفلسطيني تملك ولو خط هاتف، وبقي الحال هكذا حتى صدر القرار 202 الذي ساوى اللاجئ الفلسطيني بالمواطن العراقي ما عدا الجنسية وخدمة العلم والحقوق السياسية. لكن لم يقدر للفلسطينيين في العراق أن يتمتعوا بأول امتياز قانوني واضح لهم منذ سنة 1948، فبعد سنتين فقط سقطت بغداد وسقط معها القرار 202.
ومن أبرز الحقوق التي تمتع بها اللاجئ الفلسطيني في العراق، خلال الفترة التي سبقت احتلاله:
1 ـ إصدار الحكومة العراقية هوية تعريفية بالفلسطيني اللاجئ لديها.
2 ـ إصدار وثائق سفر تمكن اللاجئين من السفر إلى خارج العراق.
3 ـ إعفاء اللاجئين من رسوم دخول المدارس والكليات.
4 ـ تأمين العلاج المجاني لمجموع الفلسطينيين في العراق.
5 ـ صرف مساعدات مالية للاجئين، وكانت تقدر في حينه بالحد الأدنى لمدخول العائلة العراقية، وتوقفت الحكومة العراقية عن صرف هذه الإعانة فيما بعد.
6 ـ منح اللاجئ الفلسطيني سكناً مجانياً.
المخيمــات الصحراويـة
أجبر الفلسطينيون الذين كانوا يقيمون في العراق حتى الاحتلال الأميركي في نيسان 2003 على مغادرة أماكن سكنهم نحو دول الجوار العربي هرباً من الذبح الذي شرعت الميليشيات العراقية في ممارسته. لكن هذه الدول لم تسمح لهم بدخول أراضيها فأقيمت لهم مخيمات مؤقتة علقوا فيها. فلا هم قادرون على العودة إلى العراق لأن الموت والتصفية بانتظارهم، ولا يستطيعون الدخول إلى أي بلد عربي، وهناك أكثر من مخيم أنشئ لاستيعابهم موقتاً. وتتوزع المخيمات الصحراوية الفلسطينية على الشكل التالي:

أ ـ مخيم العودة: أُنشئ في منطقة البلديات على أراضي ملعب نادي حيفا لكرة القدم لاستيعاب الفلسطينيين الذين طردوا من مناطق سكناهم في منطقة البلديات، وتم إسكان نحو 500 عائلة، وأغلق في منتصف سنة 2005.

ب ـ مخيم الرويشد: أنشئ داخل الحدود الأردنية، وسمي مخيم إيواء 1، وضم ما بين خمسمئة وألف شخص، وسمحت الحكومة الأردنية بدخول حوالى 400 من الفلسطينيين المتزوجين بأردنيات. وتم إغلاق المخيم في أواخر سنة 2007، بعد أن عاد جزء من قاطنيه إلــى بغــداد، والــجزء الآخر تم ترحيلهم إلى البرازيل وكندا والولايات المتحدة ونــيوزيلندا.

ج ـ مخيم الكرامة: أنشئ هذا المخيم ليضم عدداً من الجنسيات في المنطقة الواقعة بين الحدود العراقية والأردنية، وانضم إليه عدد من الفلسطينيين قبل انضمامهم إلى مخيم الرويشد.

د ـ مخيم طريبيل: أنشئ هذا المخيم على إثر تهجير 89 فلسطينياً من العراق في 18/3/2006 في إثر تفجيرات المساجد. ارتفعت أعداد اللاجئين في مخيم طريبيل إلى 178، وتم إغلاقه بعد موافقة الحكومة السورية على دخول قاطنيه إلى أراضيها في 12/5/2006 للإقامة في مخيم الهول.

هـ ـ مخيم الهول: تأسس هذا المخيم في المثلث السوري التركي العراقي من محافظة الحسكة شمال سوريا على مسافة كيلومتر واحد من قرية الهول، انضمت إليه العائلات التي كانت في مخيم طريبيل بالإضافة إلى عائلات أخرى، وكان عددهم304 فلسطينيين. وكان مخيم الهول استقبل قبلهم 18 فلسطينياً أيضاً نقلوا إلى كندا لاحقاً، ويضم المخيم قرابة 400 فلسطيني.

و ـ مخيم التنف: ويقع في المنطقة العازلة بين الحدود السورية العراقية بالقرب من مركز التنف الحدودي. أنشأ في 12/5/2006 بعد تدفق أعداد من الفلسطينيين على أمل الالتحاق بمخيم الهول إلا أن السلطات السورية منعتهم، وقررت إنشاء مخيم جديد في المنطقة العازلة. وبلغ عدد اللاجئين فيه 354 فلسطينياً مع نهاية سنة 2007. وارتفع عددهم في سنة 2009 إلى حوالى 880 لاجئاً.

ز ـ مخيم الوليد: أقيم في صحراء الأنبار في تشرين الثاني/ نوفمبر 2006، ويبلغ عدد اللاجئين فيه 1,700 لاجئ.

مصير لاجئـي العـراق

توزع اللاجئون الفلسطينيون الذين خرجوا من العراق على العديد من الدول الأوروبية والآسيوية والأميركيتين وأستراليا، وفي ما يلي أسماء الدول التي استقبلتهم، وأعداد اللاجئين فيها:
أ ـ قبرص: تستضيف قبرص حوالى 1,700 لاجئ، وقد شكل اللاجئون جمعية حقوق الإنسان الفلسطينية، التي يترأسها جبريل محمود حسن تيم. وتقدم قبرص للاجئين الفلسطينيين مرتباً شهرياً بحسب عدد أفراد العائلة، وأوضاعهم جيدة نسبياً.

ب ـ تشيلي: استقبلت 116 لاجئاً فلسطينياً من العراق من مخيم التنف، توزعوا على ثلاث مناطق هي: سانتياغو العاصمة وفيها إحدى عشرة عائلة ومدينة لاكاليرا وفيها سبع عائلات، ومدينة سان فليبي وفيها ثماني عائلات. وأشار أحد اللاجئين الفلسطينيين الذين استقروا في تشيلي، في رسالة أعدها، إلى صعوبة العمل والحصول على شقة ضمن المخصصات المقررة لهم إضافة إلى صعوبة تأمين العلاج.

ج ـ البرازيل: استضافت البرازيل في أيلول/ سبتمبر 2007 مئة لاجئ فلسطيني من مخيم الرويشد.

د ـ النرويج: استضافت النرويج لأسباب إنسانية وصحية 28 فلسطينياً من مخيم الوليد. وقد غادر هؤلاء المخيم في 13/12/2008.

هـ ـ السويد: استقبلت السويد 157 من اللاجئين الفلسطينيين في العراق.

و ـ أيسلندا: استقبلت أيسلندا 29 لاجئاً من مخيم التنف.

ز ـ الهند: يوجد في الهند نحو 300 عائلة فلسطينية، تتخذ من الهند مقراً مؤقتاً لها، ريثما يتم قبولهم في إحدى دول اللجوء الأوروبية.

ح ـ كندا: أعلنت كندا في 2008 عزمها استقبال 14 عائلة فلسطينية مقيمة في مخيم الهول.

ط ـ ماليزيا: يقدر عدد العائلات الفلسطينية القادمة من العراق إلى ماليزيا بمئة عائلة، يعانون عدم تمكنهم من العمل، أو اكتسابهم الحماية القانونية. وقد اعتقل عدد منهم، وما زال مصيرهم مجهولاً باستثناء عدد قليل تم نقلهم إلى الولايات المتحدة الأميركية. والمشكلة التي يعانيها هؤلاء أنهم دخلوا البلاد بجوازات سفر عراقية مزورة.

ي ـ رومانيا: في 17/4/2009 أعلنت المتحدثة باسم منظمة الهجرة الدولية أنه قد تم نقل 59 فلسطينياً من مخيم الوليد إلى أحد المراكز في رومانيا. وأضافت انه سيتم نقلهم فيما بعد إلى دول أخرى في إطار برنامج إعادة التوطين الخاص بمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. ومن المقرر أن يتم نقل 1,200 فلسطيني من مخيم الوليد إلى المركز الموقت في رومانيا وذلك في طريقهم لإعادة التوطين في الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق