الأحد، 3 فبراير 2013

فلسطينيون في أمريكا اللاتينية

أورد الكاتب الأردني يعقوب العودات المشهور بالبدوي الملثم في كتابه الثمين ( الناطقون بالضاد في أمريكا الجنوبية ) محاضرة للشيخ الأديب اللبناني المهجري حبيب مسعود ألقاها في طرابلس لبنان عام 1948 م ، حلل فيها ظاهرة الهجرة في كل بلاد الشام ، وبين فيها الدور الذي لعبته حالة التجنيد الإجباري في العهد العثماني في هرب عشرات الألوف من الشبان العرب من بلادهم للخلاص من زج الدولة العثمانية لهم في ميادين حروبها بدءا بالحرب العثمانية – الإيطالية في طرابلس الغرب عام 1911 م ووقوفا بالحرب العثمانية – البلقانية عام 1913 م ثم بالحرب العالمية الأولى ما بين سنتي  1914 / 1918 م ، وقد لعبت المجاعة بلبنان وسوريا و فلسطين دورا كبيرا  في هجرة الكثير حيث مات من جراء المجاعة 80 ألف نسمة ، فضلا عن ملاحقة جمال باشا السفاح وأعوانه لأحرار العرب واعدام  أصحاب الفكر منهم ، وقد انتشرت البطالة و الجوع  في بلاد الشام وصارت الهجرة والبحث عن الرزق سببا مباشرا لتزايد هذه الحركة ، كما لعبت الإرساليات الأجنبية دورا في التعريف ببلاد الغرب ، وساهم التعليم بلغات اجنبية في تسهيل فكرة الهجرة ، وبالمقابل لعب التجار من أهالي بلاد الشام دور الرواد في هذه الحركة ، وعندما أقيم معرض شيكاغو في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1851 م وشارك فيه تجار من  فلسطين وسوريا ولبنان لعرض التحف الشرقية المصنوعة بالأراضي المقدسة ، انفتح أمامهم عالم الهجرة من أوسع أبوابه ، خاصة مع تسهيل حالة السفر بحرا مع فتح قناة السويس عام 1869 م  ومع دخول التلغراف والبرق إلى أراضي الدولة العثمانية بفضل جهود السلطان عبد الحميد الثاني،مما جعل فكرة الهجرة تصبح واقعا مقبولا.
أما عن كيفية وصول هؤلاء المهاجرين الي امريكا الجنوبية فكانت الرحلة تبدأ من ميناء حيفا او ميناء بيروت او ميناء الاسكندرية عن طريق إحدي بواخر الشحن حتي إحدي المواني الاوروبية وغالبا ما كانت هذه جنوا في إيطاليا   أو مرسيليا في فرنسا وبعدها ينتقل المسافر لسفن أكبر تتوجه إلي ريو دي جانيرو في البرازيل أو بيونس ايرس في الارجنتين وبعد ذلك كل يتوجه الي المدينة التي يقطن فيها اصدقاءه او اقاربه فمثلا مهاجر عربي متوجه الي اقاربه في مدينة لوس انديز في تشيلي يقطع أكثر من  2000كم حتي يصل الي مدينة مندوسا علي الحدود الارجنتينيه التشيليه وبعد الاستراحه يستمر ليعبر جبال الانديز العاليه علي ظهر حصان أو بغل مدة أكثر من أسبوع حتي يصل لمدينة لوس انديز حيث يقيم اصدقاءه او اقاربه.  
بالنسبة للجالية الفلسطينية فهي تعد من اقدم الجاليات العربية في أمريكا اللاتينية، فأول عربي وصل الي البرازيل عام 1851 كان فلسطيني من بيت لحم وهو القس حنا خليل مرقص كما هاجر اثنان آخران من آل زكريا حيث عملا علي تأسيس بعض المحال التجارية في ريو دي جانيرو - رغم ان الهجرة اللبنانية والسورية بعد ذلك غلبت علي الهجرة العربية الي البرازيل - وفي عام 1904 هاجر جريس أنطوان أبو العراج وزوجته وأولاده إلي جواتيمالا أما أول حالة وفاة لفلسطيني تم تسجيلها في أمريكا اللاتينية ومدونة في سجلات ديوان آل خوري (طائفة اللاتين) في بيت لحم فيعود تاريخها الي 7/9/1796 وتخص المغترب أندريا فرنسيس حنا داوود من حارة التراجمه، وهاجر أيضا الفلسطينيين الي فنزويلا والمكسيك وبنما وهندوراس وكولومبيا والبيرو والسلفادور والاكوادور والارجنتين أما عن هجرة الفلسطينيين لتشيلي فقد بدأت تقريبا في نفس الفترة منتصف القرن التاسع عشر بعض المؤرخين يقول عام 1840 وبعضهم الآخر عام 1851 ومن الناحية الرسمية عام 1880 هو العام الذي وثق فيه رسميا دخول أول فلسطيني قادم من بيت لحم لتشيلي وهو جبرائيل دعيق ولحق به كل من يوسف جاسر من بيت لحم أيضا ويوسف جريس صلاح من منطقة القدس واشترك الثلاثة في مزاولة مهنة التجارة
ويمكن رصد الهجرة الفلسطينية الموثقه لتشيلي كالتالي:-
المرحلة الأولي من عام 1880 / 1914
المرحلة الثانية من عام 1914 / 1939
المرحلة الثالثة من عام   1946/ 1967
المرحلة الرابعة من عام 1967/ الي اليوم
واليوم وصل الكثير من المهاجرين الفلسطينيين الي مناصب ومراكز اجتماعية وسياسية واقتصادية مرموقة في كثير من دول أمريكا الجنوبية
فمثلا كان أحد أبرز المرشحين لرئاسة تشيلي عام 1970 هو الفلسطيني الأصل رفائيل طارود (طراد) وهو الذي تعرض له الكاتب التشيلي اديسيو الفاردا في كتابه "التركي طارود" - لقب التركي كان يطلق علي العرب الذين هاجروا ابان الحكم العثماني بجوزات سفر تركية الي امريكا اللاتينية - وتولي الفلسطيني الاصل فرانسيسكو شهوان منصب نائب رئيس الجمهورية (2010/2006) هذا غير الوزراء و10% من أعضاء مجلس الشيوخ حاليا في تشيلي هم من اصل فلسطيني و40% تقريبا من اقتصاد تشيلي يسيطر عليه التشيليين من أصل فلسطيني، كما وصل الفلسطيني انطونيو ساكا (السقا) الي رئاسة السلفادور(2004 / 2009) ، والفلسطيني البرتو ميغيل فاكوسيه (فقوسه) لمنصب رئيس هندوراس (2003/1997) ،كما تولي الفلسطيني سيمون جودي (عودة) منصب رئيس وزراء البيرو (2008/ 2009) ،وشغل الفلسطيني عمر شحادة منصب النائب الثاني لرئيس البيرو(2012/2011) ،كما شغل الفلسطيني خورخي بريز لاراش أو جورج ابو العراج منصب وزير خارجية جواتيمالا (2004 /2006)، كما شغل الفلسطيني جاسم سلامة رئاسة مقاطعة كولون البنمية (2002 /2004)، وهناك من المهاجرين الفلسطينيين من عاد من امريكا اللاتينية الي فلسطين أو أحد البلدان العربية كحال الأخوين بدر وابراهيم لاما (الأعمي) وقد استقرا في مصر عام 1927 في الإسكندرية فأسسا شركة إنتاج أفلام وأخرجا «قبلة في الصحراء» في العام نفسه وهو أول فيلم عربي صامت وازدهر الأخوان لاما في الثلاثينيات والأربعينيات في تأسيس ستوديوهات لاما للتصوير السينمائي في مصر،وكل هذا مجرد امثله.
في نهاية هذا المقال أقول أن الفلسطينيين في هذه البقعه من العالم هم ثروة بمعني الكلمة وهم قوة إقتصادية وسياسية وعلمية لكن للأسف غير مستغله بالمرة رغم أنهم مرتطبين بفلسطين وطنهم الأم وهم إحقاقا للحق ساهموا في تطوير مدنهم أو قراهم التي هاجر أجدادهم منها لكن فلسطين كشعب وكقضية لم تستفد منهم وحتي طريقة تواصل السلطة وسفارتها معهم خاطئه وتستغلهم لمصلحة مشروعها التفاوضي الفاشل ولو نظرنا لحزب الله اللبناني فقد تمكن من بناء علاقة مع المغتربين اللبنانيين في امريكا اللاتينية واستطاع ان يستفيد من وجودهم بطرق شتي وربما يعود ذلك لأن حزب الله في دولة ذات سيادة وهو جزء من الحكومة بشكل مباشر أو غير مباشر وهو ما لا يتوفر لحماس حتي اليوم ، ما أتمناه إن تمت المصالحه وأصبحت حماس جزء من الحكومة أن تستخدم حماس سفارات السلطة في هذه الدول للتواصل مع هذه الجاليات والإستفاده منها بطريقة تفيد الشعب الفلسطيني وقضيته. 

_________________________________
مصادر
*بحث لساري حنفي بعنوان "نحو تحليل للعلاقة بين الشتات الفلسطيني والمركز"
* دراسة بعنوان "الهجرة الفلسطينية إلي خارج فلسطين خلال عهد الانتداب البريطاني (1917/1948)" جامعة النجاح الوطنية - كلية الدراسات العليا - قسم التاريخ
*ظاهرة الهجرة في المجتمع الفلسطيني - نبيل علقم -1990 رام الله
*الهجرة الفلسطينية الى امريكا من نهاية القرن التاسع عشر حتى 1945- جمال نايف عدوي - 1993الناصرة
*مقال بعنوان "لاتينيون من أصل فلسطيني" لمحمود شريح - جريدة السفير اللبنانية
*جريدة الرأي الأردنية "مذكرات خليل سليم سماوي ( 1901 - 1935)"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق